فصل: قال القرطبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقوله تعالى: {ولو نشاء} الآية، أي لا تستغربوا أن يخلق عيسى من غير فحل، فإن القدرة تقضي ذلك وأكثر منه.
وقوله: {لجعلنا منكم} معناه: لجعلنا بدلًا منكم، أي لو شاء الله لجعل بدلًا من بني آدم ملائكة يسكنون الأرض ويخلفون بني آدم فيها. وقال مجاهد وابن عباس: يخلف بعضهم بعضًا. والضمير في قوله: {وإنه لعلم} قال ابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة والسدي والضحاك وابن زيد: الإشارة به إلى عيسى. وقالت فرقة: إلى محمد عليه السلام. وقال الحسن أيضًا وقتادة: إلى القرآن.
وقرأ جمهور الناس: {لعِلْم} بكسر العين وسكون اللام. وقرأ ابن عباس وأبو هريرة وقتادة وأبو هند الغفاري ومجاهد وأبو نضرة ومالك بن دينار والضحاك: {لعَلَم} بفتح العين واللام، وقرأ عكرمة مولى ابن عباس: {لَلعلم} بلامين، الأولى مفتوحة. وقرأ أبي بن كعب: {لذَكر للساعة}.
فمن قال إن الإشارة إلى عيسى حسن مع تأويله علم وعلم أي هو إشعار بالساعة وشرط من أشراطها، يعني خروجه في آخر الزمان، وكذلك من قال: الإشارة إلى محمد صلى الله عليه وسلم، أي هو آخر الآنبياء، فقد تميزت الساعة به نوعًا وقدرًا من التمييز، وبقي التحديد التام الذي انفرد الله بعلمه، ومن قال: الإشارة إلى القرآن، حسن قوله في قراءة من قرأ: {لعِلْم} بكسر العين وسكون اللام، أي يعلمكم بها وبأهوالها وصفاتها، وفي قراءة من قرأ: {لذكر}.
وقوله: {فلا تمترن} أي قل لهم يا محمد لا تشكون فيها.
وقوله: {هذا صراط مستقيم} إشارة إلى الشرع، ثم أمره بتحذير العباد من الشيطان وإغوائه ونبههم على عداوته. اهـ.

.قال القرطبي:

{وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (57)}.
لما قال تعالى: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرحمن آلِهَةً يُعْبَدُونَ} تعلّق المشركون بأمر عيسى وقالوا: ما يريد محمد إلا أن نتخذه إلها كما اتخذت النصارى عيسى ابن مريم إلها؛ قاله قتادة.
ونحوه عن مجاهد قال: إن قريشًا قالت إن محمدًا يريد أن نعبده كما عبد قوم عيسى عيسى؛ فأنزل الله هذه الآية.
وقال ابن عباس: أراد به مناظرة عبد الله بن الزِّبَعْرَى مع النبيّ صلى الله عليه وسلم في شأن عيسى، وأن الضارب لهذا المثل هو عبد الله بن الزِّبَعْرَى السَّهْمِيّ حالة كفره لما قالت له قريش إن محمدًا يتلو: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ} [الأنبياء: 98] الآية، فقال: لو حضرته لرددت عليه؛ قالوا: وما كنت تقول له؟ قال: كنت أقول له هذا المسيح تعبده النصارى، واليهود تعبد عُزَيْرًا، أفهما من حصب جهنم؟ فعجبت قريش من مقالته ورأوا أنه قد خُصِم؛ وذلك معنى قوله: {يَصِدُّونَ} فأنزل الله تعالى: {إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا الحسنى أولئك عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء: 101].
ولو تأمل ابن الزبعرى الآية ما اعترض عليها؛ لأنه قال: {وَمَا تَعْبُدُونَ} ولم يقل ومن تعبدون وإنما أراد الأصنام ونحوها مما لا يعقِل، ولم يرد المسيح ولا الملائكة وإن كانوا معبودين.
وقد مضى هذا في آخر سورة (الأنبياء).
وروى ابن عباس «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لقريش: يا معشر قريش لا خير في أحد يُعبد من دون الله».
قالوا: أليس تزعم أن عيسى كان عبدًا نبيًّا وعبدًا صالحًا، فإن كان كما تزعم فقد كان يُعبد من دون اللها.
فأنزل الله تعالى: {وَلَمَّا ضُرِبَ ابن مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} أي يضجون كضجيج الإبل عند حمل الأثقال.
وقرأ نافع وابن عامر والكسائي {يَصُدون} (بضم الصاد) ومعناه يُعرِضون؛ قاله النَّخَعيّ، وكسر الباقون.
قال الكسائي: هما لغتان؛ مثل يَعْرِشون ويَعْرُشون ويَنِمُّون ويَنُمُّون، ومعناه يَضِجُّون.
قال الجوهري: وصَدّ يَصُدّ صديدًا؛ أي ضَجّ.
وقيل: إنه بالضم من الصدود وهو الإعراض، وبالكسر من الضجيج؛ قاله قُطْرُب.
قال أبو عبيد: لو كانت من الصدود عن الحق لكانت: إذا قومك عنه يصدون.
الفرّاء: هما سواء؛ منه وعنه.
ابن المسيّب: يصدون يضجون.
الضحاك يعجون.
ابن عباس: يضحكون.
أبو عبيدة: مَن ضَمَّ فمعناه يعدلون؛ فيكون المعنى: من أجل المَيْل يُعَدلون.
ولا يُعَدّى {يَصِدُّون} بمن، ومن كسر فمعناه يضِجون؛ فـ: (من) متصلة بـ: {يَصِدُّون} والمعنى يضجون منه.
قوله تعالى: {وقالوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ} أي آلهتنا خير أم عيسى؟ قاله السدي.
وقال: خاصموه وقالوا إن كل مَن عُبد من دون الله في النار، فنحن نرضى أن تكون آلهتنا مع عيسى والملائكة وعزير، فأنزل الله تعالى: {إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا الحسنى أولئك عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء: 101] الآية.
وقال قتادة: {أَمْ هُوَ} يعنون محمدًا صلى الله عليه وسلم.
وفي قراءة ابن مسعود {آلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هَذَا}.
وهو يقوّي قول قتادة، فهو استفهام تقرير في أن آلهتهم خير.
وقرأ الكوفيون ويعقوب {أألِهَتُنَا} بتحقيق الهمزتين، وليّن الباقون، وقد تقدّم.
{مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاَ} {جَدَلًا} حال؛ أي جدلين.
يعني ما ضربوا لك هذا المثل إلا إرادة الجدل؛ لأنهم علموا أن المراد بحصب جهنم ما اتخذوه من الموات {بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} مجادلون بالباطل.
وفي صحيح الترمذِيّ عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما ضل قوم بعد هُدًى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاَ بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ}».
قوله تعالى: {إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ} أي ما عيسى إلا عبد أنعم الله عليه بالنبوّة، وجعله مَثَلًا لبني إسرائيل؛ أي آية وعبرة يُستدل بها على قدرة الله تعالى؛ فإن عيسى كان من غير أب، ثم جعل إليه من إحياء الموتى وإبراء الأَكْمَه والأبرص والأسقام كلها ما لم يُجعل لغيره في زمانه، مع أن بني إسرائيل كانوا يومئذ خير الخلق وأحبَّه إلى الله عز وجل، والناس دونهم، ليس أحد عند الله عز وجل مثلَهم.
وقيل: المراد بالعبد المنعم عليه محمد صلى الله عليه وسلم؛ والأوّل أظهر.
{وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنكُمْ} أي بَدَلًا منكم {مَّلاَئِكَةً} يكونون خَلَفًا عنكم؛ قاله السُّدِّي.
ونحوه عن مجاهد قال: ملائكة يعمرون الأرض بدلًا منكم.
وقال الأزهري: إن (من) قد تكون للبدل؛ بدليل هذه الآية.
قلت: قد تقدم هذا المعنى في (براءة) وغيرها.
وقيل: لو نشاء لجعلنا من الإنس ملائكة وإن لم تجر العادة بذلك، والجواهر جنس واحد والاختلاف بالأوصاف؛ والمعنى: لو نشاء لأسكنا الأرض الملائكة، وليس في إسكاننا إياهم السماء شرف حتى يعبدوا، أو يقال لهم بنات الله.
ومعنى {يَخْلُفُونَ} يخلف بعضهم بعضًا؛ قاله ابن عباس.
قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلاَ تَمْتَرُنَّ بِهَا} قال الحسن وقتادة وسعيد بن جبير: يريد القرآن؛ لأنه يدل على قرب مجيء الساعة، أو به تعلم الساعة وأهوالها وأحوالها.
وقال ابن عباس ومجاهد والضحاك والسدي وقتادة أيضًا: إنه خروج عيسى عليه السلام، وذلك من أعلام الساعة، لأن الله ينزله من السماء قبيل قيام الساعة، كما أن خروج الدجال من أعلام الساعة.
وقرأ ابن عباس وأبو هريرة وقتادة ومالك بن دينار والضحاك {وإِنَّهُ لَعَلَمٌ لِلسَّاعَةِ} (بفتح العين واللام) أي أمارة.
وقد روي عن عِكرمة {وإنه للعلم} (بلامين) وذلك خلاف للمصاحف.
وعن عبد الله بن مسعود قال: لما كان ليلة أسرِي برسول الله صلى الله عليه وسلم لقي إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام فتذاكروا الساعة فبدءوا بإبراهيم فسألوه عنها فلم يكن عنده منها علم، ثم سألوا موسى فلم يكن عنده منها علم؛ فرد الحديث إلى عيسى ابن مريم قال: قد عُهد إليّ فيما دون وجبتها فأما وجبتها فلا يعلمها إلا الله عز وجل؛ فذكر خروج الدجال قال: فأنزل فأقتله.
وذكر الحديث، خرّجه ابن ماجه في سننه.
وفي صحيح مسلم: «فبينما هو يعني المسيح الدجال إذ بعث الله المسيح ابن مريم فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دِمَشْق بين مَهْرُودَتَين واضعًا كفّيه على أجنحة مَلَكين إذا طأطأ رأسَه قَطَر وإذا رفعه تحدّر منه جُمَان كاللؤلؤ فلا يَحِلّ لكافر يجد ريحَ نَفَسه إلا مات ونَفَسُه (ينتهي) حيث ينتهي طَرْفه فيطلبه حتى يدركه بباب لُدّ فيقتله...» الحديث.
وذكر الثعلبيّ والزَّمَخْشِري وغيرهما من حديث أبي هريرة أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «ينزل عيسى ابن مريم عليه السلام من السماء على ثَنِيّة من الأرض المقدسة يقال لها أَفِيق بين مُمَصَّرَتَيْن وشعر رأسه دَهين وبيده حربة يقتل بها الدجال فيأتي بيت المقدس والناس في صلاة العصر والإمام يؤمّ بهم فيتأخر الإمام فيقدّمه عيسى ويصلّي خلفه على شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ثم يقتل الخنازير ويكسر الصليب ويخرب البِيَع والكنائس ويقتل النصارى إلا من آمن به» وروى خالد عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الأنبياء إخوة لِعَلاّت أمهاتُهم شَتّى ودينهم واحد وأنا أوْلَى الناس بعيسى ابن مريم إنه ليس بيني وبينه نبيّ وإنه أوّل نازل فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويقاتل الناس على الإسلام» قال الماوَرْدِيّ: وحكى ابن عيسى عن قوم أنهم قالوا إذا نزل عيسى رُفع التكليف لئلا يكون رسولًا إلى ذلك الزمان يأمرهم عن الله تعالى وينهاهم.
وهذا قول مردود لثلاثة أمور؛ منها الحديث، ولأن بقاء الدنيا يقتضي التكليف فيها، ولأنه ينزل آمرًا بمعروف وناهيًا عن منكر.
وليس يُستنكر أن يكون أمر الله تعالى له مقصورًا على تأييد الإسلام والأمر به والدعاء إليه.
قلت: ثبت في صحيح مسلم وابن ماجه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَيَنْزِلَنّ عيسى ابن مريم حَكَمًا عادلًا فَلَيَكْسِرَنّ الصليبَ وَلَيَقْتُلَنّ الخنزير وَلَيَضَعَنّ الْجِزْيَة ولَتُتْرَكَنّ القِلاص فلا يُسْعَى عليها وَلَتَذْهَبَنَّ الشحناء والتَّبَاغُضُ والتحاسد وَلَيَدْعُوَنّ إلى المال فلا يقبله أحد» وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامُكم منكم» وفي رواية «فأمّكم منكم» قال ابن أبي ذئب: تدري «ما أمّكم منكم»؟ قلت: تخبرني، قال: فأمَّكم بكتاب ربِّكم وسُنّةِ نبيّكم صلى الله عليه وسلم.
قال علماؤنا رحمة الله عليهم: فهذا نصّ على أنه ينزل مجدّدًا لدين النبيّ صلى الله عليه وسلم للذي دَرَس منه، لا بشرع مبتدأ والتكليف باقٍ؛ على ما بيناه هنا وفي كتاب التذكرة.
وقيل: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ} أي وإن إحياء عيسى الموتى دليل على الساعة وبعث الموتى؛ قاله ابن إسحاق.
قلت: ويحتمل أن يكون المعنى {وَإِنَّهُ} وإن محمدًا صلى الله عليه وسلم لعلم للساعة؛ بدليل قوله عليه السلام: «بعثت أنا والساعةُ كهاتين» وضم السبابة والوسطى؛ خرّجه البخاري ومسلم.
وقال الحسن: أوّل أشراطها محمد صلى الله عليه وسلم.
{فَلاَ تَمْتَرُنَّ بِهَا} فلا تشكُّون فيها؛ يعني في الساعة؛ قاله يحيى بن سلام.
وقال السّدّي: فلا تكذبون بها، ولا تجادلون فيها فإنها كائنة لا محالة.
{واتبعون} أي في التوحيد وفيما أبلغكم عن الله.
{هذا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ} أي طريق قويم إلى الله، أي إلى جنته.
وأثبت الياء يعقوب في قوله: {وَاتَّبِعُونِ} في الحالين، وكذلك {وَأَطِيعُونِ}.
وأبو عمرو وإسماعيل عن نافع في الوصل دون الوقف، وحذف الباقون في الحالين.
{وَلاَ يَصُدَّنَّكُمُ الشيطان} أي لا تغتروا بوساوسه وشُبه الكفار المجادلين؛ فإن شرائع الأنبياء لم تختلف في التوحيد ولا فيما أخبروا به من علم الساعة وغيرها بما تضمنته من جنة أو نار.
{إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} تقدم في (البقرة) وغيرها. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَلَمَّا ضُرِبَ ابن مَرْيَمَ مَثَلًا} إلخ.
بيان لعناد قريش بالباطل والرد عليهم، فقد روي أن عبد الله بن الزبعري قبل إسلامه، قال للنبي صلى الله عليه وسلم وقد سمعه يقول: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ} [الأنبياء: 98] أليست النصارى يعبدون المسيح وأنت تقول كان نبيًا وعبدًا من عباد الله تعالى صالحًا فإن كان في النار فقد رضينا أن نكون نحن وآلهتنا معه ففرح قريش وضحكوا وارتفعت أصواتهم وذلك قوله تعالى: {إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} فالمعنى ولما ضرب ابن الزبعري عيسى بن مريم مثلًا وحاجك بعبادة النصارى إياه إذا قومك من ذلك ولأجله يرتفع لهم جلبة وضجيج فرحًا وجدلًا، والحجة لما كانت تسير مسير الأمثال شهرة قيل لها مثل أو المثل بمعنى المثال أي جعله مقياسًا وشاهدًا على إبطال قوله عليه الصلاة والسلام: إن آلهتهم من حصب جهنم، وجعل عيسى عليه السلام نفسه مثلًا من باب «الحج عرفة».
وقرأ أبو جعفر والأعرج والنخعي وأبو رجاء وابن وثاب وابن عامر ونافع والكسائي: {يَصِدُّونَ} بضم الصاد من الصدود، وروي ذلك عن علي كرم الله تعالى وجهه، وأنكر ابن عباس رضي الله تعالى عنهما هذه القراءة وهو قبل بلوغه تواترها، والمعنى عليها إذا قومك من أجل ذلك يعرضون عن الحق بالجدل بحجة داحضة واهية، وقيل: المراد يثبتون على ما كانوا عليه من الإعراض.
وقال الكسائي. والفراء: يصدون بالكسر ويصدون بالضم لغتان بمعنى واحد مثل {يعرشون} و{يعرشون} [الأعراف: 137] ومعناهما يضجون، وجوز أن يكون يعرضون.
{وَقالواْ} تمهيدًا لما بنوا عليه من الباطل المموه مما يغتر به السفهاء {ءالِهَتِنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ} أي ظاهر عندك أن عيسى عليه السلام خير من آلهتنا فحيث كان هو في النار فلا بأس بكونها وأيانا فيها، وحقق الكوفيون الهمزتين همزة الاستفهام والهمزة الأصلية؛ وسهل باقي السبعة الثانية بين بين، وقرأ ورش في رواية أبي الأزهر بهمزة واحدة على مثال الخبر، والظاهر أنه على حذف همزة الاستفهام، وقوله تعالى: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاَ بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} إبطال لباطلهم إجمالًا اكتفاءً بما فصل في قوله تعالى: {إِنَّ الذين سَبَقَتْ} [الأنبياء: 101] وتنبيهًا على أنه مما لا يذهب على ذي مسكة بطلانه فكيف على غيره ولكن العناد يعمى ويصم أي ما ضربوا لك ذلك إلا لأجل الجدال والخصام لا لطلب الحق فإنه في غاية البطلان بل هم قوم لد شداد الخصومة مجبولون على المحك أي سؤال الخلق واللجاج، فجدلًا منتصب على أنه مفعول لأجله، وقيل: هو مصدر في موضع الحال أي مجادلين، وقرأ ابن مقسم {جدالًا} بكسر الجيم وألف بعد الدال، وقوله تعالى: